أبدأ بالقول إنني لست من أنصار تعديل قانون الصحافة والمطبوعات في المرحلة الحالية. قد يبدو هذا الرأي غريبا وغير متفق مع ملاحظات ومواقف سابقة أبديناها على قانون 2009، سواء في الأنشطة التي نظمها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أو لجنة الصحافة والإعلام بالبرلمان، والأنشطة الأخرى التي عقدت لغرض مناقشة مسودة القانون قبل إجازته. وقد عملنا في إطار حملة ضمت كثير من الصحفيين والقانونيين والناشطين الحقوقيين رافضة للمسودة الأولى للقانون، وأعددنا مذكرة رفعت للبرلمان والقوى السياسية والكتل البرلمانية المختلفة. وقد تم الأخذ ببعض ملاحظاتنا ولم يؤخذ بالبعض الآخر، ولهذا لم ينل القانون رضاءنا
إذا لم لا نتجاوب الآن مع الدعوات لتعديله؟ لعدة أسباب نجملها هنا:
تتجاوز الظروف الصعبة التي تعيشها الصحافة السودانية حاليا قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009، إذ لم تعد المشاكل مع سلبيات هذا القانون، وإنما تم تجاوز القانون وتركه جانبا ، واستخدام قانون الأمن الوطني من ناحية، واستخدام ممارسات خارج إطار أي قانون لتكميم الصحافة وتقييدها. وبالتالي فإن الأولوية ليست لتعديل هذا القانون، وإنما مواجهة القوانين والممارسات الأخرى، من مصادرة للصحف بعد طباعتها، وإيقاف الصحف دون قرار قضائي، ومنع بعض الصحفيين من الكتابة، والحجر على المعلومات بوسائل واشكال مختلفة.
الظروف السياسية الحالية وغياب التوازن في البرلمان لن تساهم أو تساعد في إخراج قانون أكثر ديمقراطية أو أكثر إتاحة للحريات، ولو تم إعداد افضل مسودة لقانون جديد، فليست هناك أية ضمانات أن تمر من خلال البرلمان الحالي، وإنما ستخضع لتعديلات كثيرة تجر هذا القانون خطوات للوراء. وهذا ينطبق على التعديلات الحالية المطروحة الآن لقانون الصحافة والمطبوعات لعام 20009.
هناك مؤشرات كثيرة على ما نقول، ومنها الطريقة التي طرحت بها التعديلات الدستورية وتعديلات عدد من القوانين، إذ جاء الدرس الذي تعلمناه، كما يقول الأستاذ نبيل أديب في مقال نشر قبل أيام، أن القانون الجديد دائما أسوا من القانون القديم أو الموجود، خاصة تلك القوانين التي تتعلق بالحريات العامة.
لدينا ملاحظات كثيرة على القانون الحالي (قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لعام 2009)، وكثيرا ما أشرنا للنواقص الكثيرة التي جعلته أقل قامة من الدستور، خاصة الباب الثاني، وثيقة الحقوق، والمواد الجيدة اتي وردت فيها عن الحريات العامة وحرية التعبير والإعلام. كما أنه لا يتماشى مع كثير من المعايير الدولية لحرية الصحافة والإعلام الواردة في معاهدات ومواثيق دولية وقع وصادقت عليها حكومة السودان. ولم يحدث مرة واحدة أن تم تعديل القانون أو تغييره استجابة لرغبة الوسط الصحفي، إنما دائما يتم التعديل أو صياغة قانون جديد استجابة لرغبة الحكومة وأجهزتها. ينطبق هذا على قوانين الصحافة التي تم إعدادها خلال فترة حكم الإنقاذ ( قوانين الصحافة لعام 1993م، 1996م، 1999م، 1999 المعدل عام 2000م، 2004م، 2009م). كما ينطبق على المحاولات التي جرت والمسودات التي أعدت أكثر من مرة مثل أعوام 2012م، 2014م.
كثرة التعديلات والقوانين الجديدة تفقد القانون احترامه وقيمته، فقد ظلت الصحافة محكومة بالقانون الأول الذي صدر عام 1930 مع تعديلاته خلال فترة الحكم الوطني لمدة 43 عاما، ولم يتغير إلا بعد تأميم الصحافة في عهد مايو بصدور قانون عام 1973. وتمت العودة بعد الانتفاضة للقانون القديم مع بعض التعديلات. وخلال فترة 16 عاما من حكم الإنقاذ (1993-2009) صدرت ست قوانين لتنظيم الصحافة.
لذلك أرى أن إعداد مسودة أو أي تعديلات جديدة، ستكون حصيلتها الحصول على قانون هو الأسوا مقارنة بكل القوانين السابقة. ولو كانت لدينا خيارات، فلنترك قانون الصحافة على ماهو عليه، ولنبحث إزالة تعديات قانون الأمن الوطني والممارسات غير القانونية الأخرى على الصحافة والصحفيين. وفيما يتعلق بالحديث عن التجاوزات فإن هناك حزمة من المواد في القانون الجنائي لعام 1991، وقانون جرائم المعلوماتية لعام 2007، وقانون الأمن الوطني لعام 2010، بجانب المواد الموجودة في قانون الصحافة، كفيلة بمعالجة التجاوزات والمعاقبة عليها، بغض النظر عن رأينا في هذه المواد ونوع العقوبات التي اشتملت عليها.
ثانيا: تصنيف التعديلات
يمكن تصنيف التعديلات المطروحة في هذه المسودة إلى خمس حزم
– تعديلات بغرض إدخال الصحافة الاليكترونية والنشر الاليكتروني في إطار القانون
– تعديلات في المادة الخامسة التي تتحدث عن المبادئ الأساسية لحرية الصحافة والصحفيين
– تعديلات في الفصل الثاني تتعلق بمجلس الصحافة، إعادة تشكيل المجلس، سلطاته، اختصاصاته
– تعديلات تتعلق بملكية الصحف وشروط أهلية رئيس التحرير
– تعديلات في العقوبات التي تفرض من مجلس الصحافة أو المحكمة على الصحف والصحفيين
ثالثا: ملاحظات على التعديلات
1- تعديلات إدخال الصحافة والنشر الاليكتروني في قانون الصحافة
شملت هذه التعديلات المادة الرابعة، التعريفات، لتضمين تعريف النشر الأليكتروني، كما شمل المادتين الثامنة والتاسعة ، اختصاصات وسلطات المجلس. وقد ورد التعريف معمما ومبهما ، تقرا المادة ” النشر الصحفي الإلكتروني : يقصد به استخدام التقنية في بَث وإرسال واستقبال ونقل المَعلومات المكتوبة، سَواء كَانت نُصُوصاً أو مشاهد أو أصواتاً أو صوراً ثابتة أو متحركة بغرض التداول”.
هذا التعريف غير دقيق وغير محدد، وهو يتوسع ليمتد من الصحافة الاليكترونية On line journalism ليشمل كل وسائل التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، يوتيوب، انستغرام…الخ. وهو يشكل خطورة حقوقية لانه سيقيد استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي Social media وبالتاكيد يحتاج لمراجعة وتدقيق. ولو استمر النص سيدخل القائمين على تطبيقه في دوامة ومتاهات عديدة حول النطاق المستخدم في تسجيل الصحيفة الاليكترونية Domain Name ومكان وجود الصحيفة ومسؤولي تحريرها…الخ.
2- تعديلات المبادئ الأساسية لحرية الصحافة والصحفيين
خضعت المادة الخامسة التي تحمل المبادئ الأساسية لحرية الصحافة والصحفيين لتعديلات مخلة، اضعفتها، وهي في الأصل كانت مادة ضعيفة. تم حذف كلمة الصحافة من المادة (5-1) ..التي تقرأ” تمارس الصحافة بحرية واستقلالية وفق الدستور والقانون مع مراعاة المصلحة العامة وحقوق الىخرين وخصوصيتهم ودون المساس بالاخلاق العامة.” وتم الاستعاضة عنها بمادة فضفاضة..تقرأ” حرية التعبير والفكر والمعرفة والاتصال والحصول على المعلومات حق مكفول للصحفيين وفق الدستور والقانون، مع مراعاة المصلحة العامة وحقوق الآخرين وخصوصيتهم ودون المساس بالأخلاق العامة”.
المادتان القديمة والجديدة خلتا من القيد الدستوري في المادة ((39-2)
” تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي”.
هذا التعريف يجعل القانون مقيد بنظرائه في المجتمعات الديمقراطية، بحث لا يصح أن يتوسع القانون فيسحب الحقوق والمكتسبات الخاصة بحرية الصحافة والتعبير. وهناك مادة أخرى في الدستور توضح الحدود التي يجب أن يلتزم بها القانون، وهي المادة (27) التي تقرأ:
“(3) تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة.
(4) تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة فى هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها.”
هذه القيود الدستورية لم يتم مراعاتها لا في المادة القديمة ولا الجديدة، أكثر من ذلك جاء التعديل الجديد ليتحدث بشكل معمم عن حرية التعبير والفكر والمعرفة..بدلا عن كلمة الصحافة الواردة في المادة القديمة. هذا قانون للصحافة ويجب أن يذكر الصحافة بالاسم، خاصة أن المادة تحمل اسم المبادئ الأساسية لحرية الصحافة والصحفيين.
المادة (5-2) تم حذفها واستبدالها بمادة أخرى حذفت منها عبارات مثل ” ولا تتعرض الصحف للمصادرة و تغلق مقارها او يتعرض الصحفي او الناشر للحبس فيما يتعلق بممارسة مهنته”. رغم أن هذه العبارة انتهت ايضا بجملة “إلا وفقا للقانون” دون تقييد لكن تم حذفها تماما.
عبارات مثل الأمن القومي والنظام العامة والصحة العامة والسلامة هي عبارات مفتوحة ومعممة دون تعريف أو تحديد أو تقييد واضح، بما يسهل استخدامها لتقييد الصحافة والصحفيين متى ما رات السلطة ذلك.
3– تعديلات تشكيل واختصاصات وسلطات مجاس الصحافة
شملت هذه التعديلات اختصاصات مجلس الصحافة وسلطاته، إذ اضافت له سلطة ترخيص وتنظيم النشر الاليكتروني والعاملين به.
كما تم تعديل تركيبة وتشكيل المجلس بإنقاص كلية اتحاد الصحفيين من ثمانية إلى خمسة، واعضاء البرلمان من خمسة إلى ثلاثة، وتم رفع ممثلي الناشرين من إثنين إلى ثلاثة، وتم إضافة ممثلين لاتحادات العمال وأصحاب العمل واتحاد المرأة. وصار لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس المجلس، بعد أن كان يتم انتخابه، إلى جانب الامين العام.
ومن الواضح أن هذه التعديلات تستهدف تقوية مقابض السلطة والحزب الحاكم على المجلس. كما تمت إعادة جزئية لسلطة المجلس على السجل الصحفي بإشراكه في اللجنة بالتساوي مع اتحاد الصحفيين، حلا للصراع بين المجلس والاتحاد على أحقية تولي سلطة تسجيل الصحفيين.
وهذ ا صراع لا صلة بقاعدة الصحفيين ورغباتهم. ليس المهم من يتولى السجل، بل المهم من يستحق عضوية السجل واتحاد الصحفيين. لقد بدأ التوسع في العضوية خلال تولي المجلس للسجل واستمر التوسع تحت رعاية اتحاد الصحفيين. والنتيجة النهائية أن عضوية الاتحاد تفوق ستة آلاف عضو، خمسة آلاف منهم لا علاقة لهم بمهنة الصحافة ولا يعملون بها، لكنهم يشكلون الكتلة التصويتية التي تنتخب اتحاد الصحفيين.
هذا هو السبب الذي يجعل كثير من الصحفيين يعزفون عن المشاركة في اتخابات الاتحاد، أو لا يتمتعون حتى بعضويته، مثل حالتي. وما لم يتم تنقية السجل وعضوية الاتحاد ممن لا يعملون بالمهنة ولا ينتمون لها، فإن هذا الصراع تحصيل حاصل.
4- تعديلات ملكية الصحف وأهلية رئيس التحرير
حصرت هذه التعديلات ملكية الصحف في شركات المساهمة العامة، بدلا عن المادة السابقة التي كانت تنص على “أي شركة مرخص لها ومسجلة وفقا لفانون الشركات لعام 1925″. بينما تنص المادة الجديدة (20-1) على ” أي شركة مساهمة عامة مسجلة وفقا لقانون الشركات لسنة 2015″.
هذا التعديل يعني أن الشركات التي تملك الصحف يجب أن يزيد عن المساهمين فيها على أكثر من 50 شخصا، كما يمكن تداول أسهمها.
ماذا سيكون مصير الشركات الحالية المالكة للصحف ومعظمها ليست شركات مساهمة عامة؟
تنص المادة (3) من هذا القانون على ” تطبق أحكام هذا القانون على كل الإجراءات التي لم تكتمل عند بدء سريانه، كما تطبق على الإجراءات المكتملة في ذلك التاريخ، بشرط تصحيح أوضاع المؤسسات الصحفية ووسائل إنتاج الصحف الأخرى وفقا لأحكام هذا القانون في مدة لا تتجاوز تسعين يوما من تاريخ سريانه”.
هذا التعديل سيقلب أوضاع الصحف والشركات المالكة لها ويخلق إشكاليات كبرى. ولعله وسيلة لإرغام الصحف على الاندماج، وهي الرغبة التي عبرت عنها الحكومة أكثر من مرة، لكن لم تكن تعرف كيف ستفرض ذلك.
أما بالنسبة لأهلية رئيس التحرير فقد تم رفع السن لأربعين عاما، وسنوات الخبرة إلى 15 عاما، كما تم إلغاء المادة التي تعطي المجلس حق الاستثناء.
5- التعديلات الخاصة بالعقوبات
نأتي لبيت القصيد، وجوهر هذه التعديلات، إذ يأتي في ظني أن المقصود بالتعديلات هي إضافة وتشديد العقوبات، سواء تلك الممنوحة للمجلس، أو للمحكمة المختصة.
تم تغليظ وتوسيع نطاق سلطة العقوبات الإدارية الممنوحة للمجلس، فشملت، إلى جانب العقوبات السابقة:
– تعليق صدور الصحيفة لمدة 15 يوما (كانت ثلاثة أيام)
– إيقاف الصحفي من الكتابة للمدة التي يراها مناسبة “عقوبة مفتوحة متروكة لتقدير المجلس”.
– الإنذار بتعليق صدور الصحيفة
– سحب الترخيص مؤقتا لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر.
سلطة العقوبات الإدارية بدعة منبوذة في كل قوانين الصحافة في المجتمعات الديمقراطية، وهي تتناقض مع المعايير الدولية الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. مجالس الصحافة في معظم دول العالم هي أجسام مهنية للضبط الذاتي Self Regulatory Body ولا تملك سلطة عقوبات إدارية وإن كانت تملك سلطة أدبية ومعنوية.
حدث توسع مماثل واستحداث عقوبة جديدة أعطيت للمحكمة المختصة في المادة (38)، وهي
إلغاء ترخيص الصحيفة، بجانب العقوبات المنصوص عليها أصلا في القانون، وهي
-(أ) الغرامة التي تحددها المحكمة عند الادانة.
(ب) ايقاف المطبوعة الصحفية للفترة التي تحددها المحكمة.
(ج) تعليق مزاولة المطابع للعمل الصحفي في حال تكرار المخالفة للمدة التي تحددها المحكمة.
(د) ايقاف رئيس التحرير او الناشر او الصحفي المرتكب للمخالفة للمدة التي تحددها المحكمة.
(هـ) سحب السجل الصحفي أو تجميده للمدة التي تقدرها المحكمة عند تكرار مخالفة الصحفي
هذا نوع من العقوبات خرجت من دائرة العقوبات على الصحف والصحفيين في قضايا النشر الصحفي منذ سنوات طويلة، ولم تعد مقبولة بمعايير حقوق الإنسان وحرية التعبير المعمول بها في كل الدنيا. لم تعد هناك عقوبة اسمها حرمان الصحفي من الكتابة، أو تعطيل الصحيفة مؤقتا أو نهائيا، باعتبار أن ذلك يمثل تعديا على أساسيات حرية التعبير والإعلام.
هذه العقوبات، قديمها وجديدها، حولت قانون الصحافة إلى قانون للعقوبات، أو قانون نظام عام للشارع الصحفي، هدفه الأساسي التجريم والعقاب.
الغريب أن هذه العقوبات كانت تمارس على الصحافة والصحفيين من قبل الأجهزة الأمنية بليل، ودون سند قانوني، فتتم عمليات المصادرة وإيقاف الصحف عن الصدور، ووقف الصحفيين من الكتابة. وبدلا من السعي لإيقاف هذه الممارسات غير القانونية، وتجريمها، سعت التعديلات لتقنينها عبر إيرادها في قانون الصحافة، ليتولى المجلس والمحكمة هذا الدور ورفع العبء والمسؤولية عن الأجهزة الأمنية.
رابعا : ملاحظات أخيرة
أ- من المعروف ان الانتقادات التي توجه لسجل السودان في مجال حرية التعبير بشكل عام، وحرية الصحافة تجديدا يمكن تلخيصها في عدم التزامه بالمعايير الدولية الخاصة بالمجالات التالية:
الإخطار وليس الترخيص لصدور الصحف، والغاء ترخيص وقيد الصحفيين
تضمين حماية وحقوق الصحفيين في القوانين وعدم سلبها بالقوانين الأخرى
تأمين حق الحصول على المعلومات
استقلالية مجلس الصحافة وتحويله مجلس مهني للضبط الذاتي، وعدم اعطائه أية سلطات في الجزاءات والعقوبات الإدارية وحصر ذلك كحق للمحكمة
عدم سجن الصحفيين في قضايا النشر، وتميل كثير من الدول لمعاملتها كقضايا مدنية وليست جنائية
تجريم فرض الرقابة على الصحافة أو تقييد حريتها وحرية الصحفيين
لا توجد مواد قانونية تغلق الصحف أو تسحب ترخيصها، إلا في حالات نادرة في بعض الدول التي تحصر ذلك في حالات مثل نشر الكراهية والدعوة للعنف والتمييز العرقي أو الديني أو الثقافي
ب- تتجه التطورات التي تحدث في العالم نحو توسيع مساحات الحريات وضمان إحاطتها بسياج من التشريعات والقوانين والممارسات التي ترسخ الديمقراطية وتخلق ما صار يسمى بالحكومة العلنية Open Government وتطبيق قيم الديمقراطية والحكم الراشد والشفافية. ولن يتحقق هذا بغير تحرير أجهزة من القيود والمكبلات لتلعب دورها الحيوي والهام في هذا المجال.
في ظل هذا الاتجاه العالمي فإن هذه التعديلات لا يمكن النظر لها إلا أنها بعض من إرث ماض بغيض، ينبغي مناهضته والتخلص منه. والموقف من حرية الصحافة والإعلام وانعكاسات ذلك في القوانين والممارسات، هو أكبر وأقوى مؤشر على موقف الحكومات من الحريات العامة وحقوق الإنسان والديممقراطية.
ج- من الواضح أنه لولا بعض الاعتراضات البسيطة، والانتباهة التي حدثت في اجتماع مجلس الوزراء، فإن هذه المسودة كانت ستجاز ويتم الدفع بها للبرلمان لإجازتها، دون عرضها على الصحفيين والرأي العام، كما حدث لقانون حق الحصول على المعلومات المعيب. وحتى الآن لم تقم اللجنة، ولا وزارة العدل بنشر النص الرسمي للتعديلات في أي وسيلة إعلام، مما يدل أنها كان يراد لها أن تمر بليل، وهذه شهادة على معرفتهم بطبيعة التعديلات ومجافاتها لكل حس ومنطق سليم.
د- خلا القانون القديم، والتعديلات الحالية، من ديباجة أو مقدمة للقانون تؤكد على الالتزام بحرية الصحافة ودورها في المجتمع، كما جرت العادة في الدساتير والقوانين المعروفة في العالم. كما خلت من المواد التي تؤكد وتؤصل لحق الحصول على المعلومات، وحماية الصحفي أثناء ممارسته لمهنته.
هـ- ما يثلج الصدر ويسر القلب، أن السعي لفرض هذه التعديلات وتقييد الصحف والصحفيين هو أكبر شهادة ودليل على الدور الهام الذي تلعبه الصحافة والصحفيين، ولولا معرفة وإدراك السلطة لهذا الدور وتاثيره، لما بذلت كل هذه المساعي كل عامين أو ثلاثة لفرض قانون جديد للصحافة أو تعديل القانون الموجود.
و- وإن كان لا بد لترزية قوانين الحكومة من عمل، فإن أن هناك قوانين مهمة جدا وذات تأثير كبير على وضعية الإعلام السوداني تحتاج للعمل عليها وتعديلها أو ايتبدالها، مثل قانون البث الإذاعي والتليفزيوني، وقانون (أو قوانين) هيئة الإذاعة والتليفزيون ذات الوضعية العجيبة وغير المفهومة حتى الآن والتي تغيرت بضع مرات من ضم للهيئتين ثم فك اشتباك ثم ضم، دون تغيير أو تعديل قانونها، حتى صار أهلها لا يعرفون باي قانون يحكمون. هل هناك وضع أدعى من هذا يستدعي تدخل وزارة العدل ولجنة الإعلام بالبرلمان لتقنين وضع الإذاعة والتليفزيون التي تعمل بلا تشريع وبمدراء مكلفين ومجالس محلولة وأوضاع غير مفهومة؟